عـــــــــادل بكري _ جازان
ليس كل ما يُقال تحت شعار النصيحة يُعَدّ نصحًا،
فبعض الكلمات تُقال لتُوجِع، لا لتُصلِح، لكنها تتزيّن بثوب الوعظ والاهتمام لتبدو في ظاهرها حرصًا، وفي باطنها قسوةً مبطّنة. هذا هو التوبيخ المقنّع؛ ذاك الفن المؤذي الذي يخلط بين النصح والتجريح، فيُربك القلوب ويشوّه المعنى النبيل للنصيحة.
يبدأ هذا الأسلوب عادة بابتسامة مصطنعة، وكلمةٍ رقيقةٍ ظاهرًا، لكن سرعان ما تنقلب إلى سهمٍ موجّه نحو الكرامة. يقول المتحدّث عباراته ببطءٍ محسوب، يختار كلماته بعنايةٍ لا لتُبلسم، بل لتُصيب. يتحدث وكأنه يعلّم، لكنه في الحقيقة يُدين. يُظهر الاهتمام، وهو في داخله يُمارس نوعًا من السيطرة اللفظية التي تُضعف الآخر باسم الحب أو الحرص.
التوبيخ المقنّع مؤلم لأنه يُربك المشاعر. لا تدري: هل تشكر من وجّه إليك كلامه لأنه “نصحك”؟ أم تغضب لأنك استشعرت تحت نصيحته إهانةً دفينة إنه كمن يُقدّم كأسًا من الماء العذب ممزوجًا بقطراتٍ من السمّ، لا تراه، لكنك تشعر بمرارته في عمقك بعد أن تشربه.
النصيحة الحقيقية، على النقيض تمامًا، هي لمسةُ لطفٍ ترفع لا تَجرح، وتُعين لا تُدين. هي كلمةٌ تخرج من قلبٍ يريد الخير، لا من لسانٍ يريد الانتصار. صاحبها لا ينتظر اعترافًا بفضله، ولا يسعى لتهشيم من أمامه، بل يُوجّه بحبّ، ويترك أثرًا طيبًا حتى وإن كانت كلماته ثقيلة.
لقد نسِي البعض أن النية الصافية لا تُبرّر الأسلوب الجارح، وأن “أريد مصلحتك” لا تبرر الإهانة. فالمعنى الصادق يحتاج إلى طريقٍ صادقٍ أيضًا، والطريق الصادق هو الرفق. كما يقول المثل: الكلمة كالسهام، إذا خرجت لا تعود، فالكلمة الطيبة تصلح القلوب، أما القاسية، ولو سُمّيت نصيحة، فهي حجر يُغلق الباب قبل أن يُفتح.
فلننتبه لحديثنا مع من حولنا، لأن الكلمة قد تُصلح حياة أو تُفسدها، وقد تزرع طمأنينة أو تُخلّف ندبة. لا تجعل نصيحتك سوطًا، بل جناحًا يُعين على النهوض.
فمن أراد أن يُنصح فليُحب، ومن أراد أن يُصلِح فليَرحم.
فليس كل توبيخٍ يُصلِح، ولا كل نصيحةٍ تُقبَل… إلا ما خرج من قلبٍ نقيّ لا يَجرح.






