ا/بسمة الامير
جازان /صدى نيوز إس
في الأربعين من عمرها، ظل قلبها غضأ رقيقًا كنسيم الصباح، وابتسامتها تحمل دفءً نادرًا لا يراه إلا من يعرفها بعمق.
لم يكن هذا الدفء هبةً سهلة؛ بل حصيلة سنوات من الألم والمعاناة، من صبرٍ امتد جذوره في صمتها، ومن معارك خاضتها بعيدًا عن أعين الآخرين.
حياتها كانت خليطًا من الجراح والواجبات، أيام تتساقط فيها الأحلام كما تتساقط أوراق الخريف، لكنها كانت تجمع ما تبقى بعناية، تحمي بيتها ومن حولها، وتستمد قوتها من قلبها الغض وروحها التي رفضت الانكسار.
وذات مساء، بينما كانت تجلس في غرفتها على ضوء مصباح خافت، وصلها خبر لم تتوقعه: محمد عاد إلى حياتها.
قلبها تردد بين فرحة مفاجئة وحذر عميق، بين ألم الماضي وبين بريق الأمل الذي لم تمحُه السنوات.
وفي اليوم التالي، اتفقا على لقاء في مقهى صغير بعيدًا عن صخب المدينة، حيث الهواء خفيف والضوء هادئ. جلسا مقابل بعضهما، صمتٌ طويل ملأ المكان، ثم بدأ الحديث ببطء:
محمد: “لم أتوقع أن أراك بعد كل هذه السنوات… كيف حالك؟”
ابتسمت ابتسامة مترددة، تحمل كل الصبر والعناء:
هي: “الحياة تمضي… والأيام تترك أثرها… لكنني بخير… على قدر ما يمكن أن تكون امرأة صامدة بخير.”
محمد: “كنت أخاف أن أجدك قد تغيرت… أو أن يكون قلبك قد انكسر…”
تذكرت كل دمعة سقطت في صمت، كل شعور بالوحدة التي حملته وحدها، كل مرارة لم يعرفها أحد.
ثم همست بصوت خافت:
هي: “لم يكسرني شيء… لكن كنت أحتاج، فقط، من يشعر… من يشاركني الألم… من يلم شتاتي…”
ابتسم محمد برفق، وقال:
محمد: “وأنا هنا الآن… إذا رغبت، أريد أن أكون ذلك الشخص.”
تردد قلبها بين الماضي والحاضر، بين الألم والفرح، لكنها شعرت بشيء مختلف في حضوره هذه المرة: صبره، حضوره، رغبته في فهمها وليس تغييرها.
هي: “محمد… لقد عشت سنوات أتعلم فيها أن أكون وحدي، وأن أستمد قوتي من داخلي…
هل تستطيع أن تقبل أن تجدني قوية… أحيانًا لا أحتاج إلى من يمسح دموعي، لأنني أستطيع ذلك بنفسي…
لكن ربما… ربما أحتاجك أحيانًا فقط أن تكون هنا.”
أمسك محمد يدها برفق، وابتسم:
محمد: “سأكون هنا… لن أتركك تعانين وحدك بعد الآن.”
تلك الليلة، وبين ضوء الشموع الخافت وصمت المقهى، بدأت الثقة تتسلل تدريجيًا إلى قلبها،
بدأت تشعر أن جزءًا من ثقل السنوات الطويلة بدأ يخف، وأن قلبها الغض يعرف شيئًا من الأمل مرة أخرى.
مرت الأيام، وتغيرت الأمور تدريجيًا.
كانا يتبادلان الحديث، أحيانًا بسهولة، وأحيانًا بتردد وحذر،
تتذكر هي ذكريات الماضي، لحظات الخذلان، لحظات الوحدة الطويلة، وتشعر بالخوف من أن الألم يعود،
لكن محمد كان صبورًا، حاضرًا، يستمع قبل أن يتكلم، يشاركها شعورها دون أن يفرض عليها أي شيء.
في أحد المساء، بينما كانت تتأمل السماء من نافذة شقتها، قالت:
هي: “تعلمت أن القوة ليست فيما يفعله الآخرون من أجلنا، بل فيما نحمله نحن في قلوبنا…
لكن وجودك هنا… يخفف عني بعض الثقل… يذكّرني أن الحب والدفء يمكن أن يعود…”
ابتسم محمد، وضعت يدها في يده، وقال:
محمد: “وأنا هنا، وسأظل هنا… ولن أتركك تواجهين أي شيء وحدك.”
وهكذا، بدأت حياتها تتحول ببطء، ليس لأنها أصبحت بلا ألم، بل لأنها تعلمت أن الألم لا يفقد معناه عندما يكون هناك من يفهمه، من يشاركنا الصمت، من يلمّ شتات قلوبنا حين تنهار، من يكون حضوره هادئًا لكنه ثابت.
في كل مساء، حين يسكن البيت ويخفت كل شيء، تجلس وحدها أحيانًا، تغمض عينيها، وتهمس لنفسها:
“أنا هنا، قلبي الغض ما زال يستحق أن يحب، أن يعطي، أن يضيء الطريق لمن حوله… حتى لو لم يجد أحدًا يمسح دموعي… لكن وجوده الآن… يجعل الطريق أخف قليلًا.”
وهكذا، أصبح قلبها الغض شمسًا صغيرة تشرق في عالمها، وروحها ملاذًا لها ولمن يعرفون قيمتها،
ورغم كل الحذر، تعلمت أن الحب والدفء يمكن أن يعود، وأن القوة الحقيقية ليست فقط في من يقف معنا، بل في من يعرف أن يقف بجانبنا، صامتًا، حاضرًا، ومتفهمًا.






