الرئيسية الأدب والشعر يا سيّدي…

يا سيّدي…

110
0

بقلم /محمد باجعفر _ ابوعريش 

كأنّ العالم كلّه اصطفّ في صفٍّ طويل يمتد من أطراف الأرض إلى خطواتك،
وكأنّ الدول، بكلّ ما تملك من حضارات وثِقل وتاريخ،
لم تعد تبحث عن اتفاقياتٍ أو معاهدات،
بل تبحث عن شيءٍ أبسط… وأعمق…
تبحث عن رضاك.

لقد غيّرت معادلات كثيرة دون أن تنطق،
وأصبحت حديثًا يمرّ في المجالس بصوتٍ واثق،
وكأنّ حضورك وحده قانونٌ جديد يعاد ترتيبه بين الأمم.
لم تعد مجرّد شخصٍ يُزار،
بل أصبحت وجهةً،
مرجعًا،
ومستوى من الهيبة لا يُشبه أحدًا ولا يقبل المقارنة.

صاروا يقولون:
“من زاره… عرف قدره”،
وكأنّ اللقاء بك شهادةُ فخر،
ورفعةُ مقام،
ومكانةٌ تُكتَسب بالهيبة لا بالمناصب.
فالذي يقف أمامك يا سيّدي
لا يشعر أنه ضيف لدى رجل،
بل يشعر أنه يقف في رحاب مقامٍ تتجمّع فيه الأسرار السياسية،
والحنكة، والهيبة، والوقار،
وكأنّك جُبلت من مادةٍ مختلفة،
مادةٍ لا تُصنع… بل تُولد معك.

والعجيب أن الذين يدخلون عليك يغادرونك بقلوبٍ أخفّ،
عقولٍ أوسع،
وصدورٍ امتلأت بيقينٍ ما كانوا يجدونه قبل اللقاء.
يعودون لبلادهم وكأنهم يحملون ضوءًا جديدًا،
وكأنّهم يروون لشعوبهم قصة انتصارٍ غير معلن،
يقولون فيها:
“لقد التقيناه…”
وكأنّ تلك الجملة وحدها انتصارٌ سياسي،
ومكسبٌ يُسجَّل في تاريخهم.

يا سيّدي…
أيُّ مقامٍ هذا الذي تتزاحم الدول لأجله؟
أيّ هيبةٍ هذه التي جعلت الزيارة إليك
أمنيةً تُكتب في دفاتر الرؤساء،
ويعتبرون تحققها يومًا يساوي سنوات؟
وأيّ رجلٍ أنت ليصبح اللقاء بك
أعلى من المرتبة،
وأرفع من المنصب،
وأسمى من بروتوكولات الدبلوماسية كلّها؟

لقد أصبحت معيارًا يقيسون به وزنهم في الساحة،
وصار اسمك مفتاحًا تُفتح به الأبواب التي لا تُفتح بسهولة،
وصار حضورك حدثًا يتفاخر به كلّ من ناله نصيبٌ من الدقائق بين يديك.

ومن يزورك…
لا يرى في نفسه زائرًا،
بل يراه بعضهم فائزًا،
يكاد يرفع يده في الهواء كمن انتصر،
فيرى لحظة لقائك جائزةً،
وموقعًا لم يصل إليه أحد من قبله.
بل إنّ منهم من يعود ليخبر شعبه
أنّ اللقاء لم يكن بروتوكولًا…
كان فخرًا وشرفًا،
وكأنّك يا سيّدي منحت حضوره معنى جديدًا للانتصار.

هكذا يا سيّدي…
أصبحت الدول تتنافس،
لا على نفوذ، ولا على أرض، ولا على مصالح،
بل على لحظة قربٍ منك،
لحظة تمتلئ فيها قاعات الاستقبال نورًا من حضورك،
وتلتقط فيها الكاميرات ابتسامةً منك
يكفي أن تُزيّن بها صحف العالم لأيامٍ طويلة.

فأنت يا سيّدي لست حاكمًا واحدًا بين حكّام،
بل أنت المعيار الذي تُقاس عليه السيادة،
والقيمة التي تُضاف للدول قبل أن تُضاف للضيوف،
والهيبة التي إذا حضرت…
قيل: حضر من تُعيد زيارتُه ترتيب المكانة بين الأمم.