الرئيسية الأدب والشعر اشتاق اليك يا ابي

اشتاق اليك يا ابي

143
0

الكاتبة مشاعل عبد العزيز  . .

مكة المكرمة  

هناك لحظات أفقد فيها نفسي تمامًا…
أشعر بالضياع وكأن الأرض لم تعد تحتويني، وكأني أمشي في الحياة وحيدة، لا أرى من حولي أحدًا. تنهار دموعي، ويغمرني خوف من كل شيء رغم وجود الكل حولي ولكنه مجرد احساس ينتابني في غيابك

حين يهاجمني هذا الشعور، أشتاق إليك يا أبي… أشتاق لحضنك الذي كان الحياة بأكملها، أدفأ من أي مكان، وأصدق من أي وعد. كنت إذا احتميت بك، يهدأ كل اضطرابي، وأشعر أن لا مخلوق في الأرض يستطيع الوصول إلي.

كنت لا أريد وقتها إلا أن أسمع سوى دقات قلبك، وهي ترن في أذني، ووجهي مخبأ بين أضلاعك. كنت أرى فيك الأمان والحب، دون أن تتكلم أو تبذل جهدًا.

لماذا يا أبي لم يكن البشر مثلك؟
لماذا كان طيفك وحده يسعدني، وضحكتك تملأ قلبي بالحب، وملامحك تبعث فيّ راحة لا توصف؟
ما السر فيك؟
كيف كنت تحيطني بحمايتك حتى لا أهاب أحدًا، ولا يوقفني كلام أحد، ولا يغضبني غياب أحد؟
كيف كنت تشعر بجوعي وتعبـي وحزني دون أن أنطق بكلمة؟

رحلت يا أبي… وبقيت امي تكمل مسيرتك.
كنت تقول لي دائمًا: “أنا خائف عليكِ بعدي”. لم أفهم جملة الخوف تلك إلا بعد أن رحلت.

فبرحيلك انتقلت من الطفولة إلى الشيخوخة في ليلة واحدة. صرت أحاور نفسي مع كل مشكلة، أبحث لها عن حل وحدي. لم يعد هناك من يمسك بيدي لأعبر الطريق. وجدت نفسي فجأة في منتصف طريق طويل، وعليّ أن أقطعه وأنا أحمل مسؤوليات ثقيلة، وخيوط حياتي مربوطة بي وحدي.
حتى حين أتجاوز خوفي وأصل إلى نهاية الطريق منهكة، لا أجد حضنًا يسع الكون كما كان حضنك إلا حضن امي ولا صوتًا يسألني عن حالي كما كنت تفعل فتسألني امي
أبي، أرجوك لا تحزن إن ضعفت خلفك، ولا إن لم أتجاوزك يومًا. لا تحزن إن ما زالت دموعي تبلل وسادتي لأنني لا أراك. التعب ينهكني أحيانًا، لكن قوتي تفاجئني أحيانًا أخرى.
أعدك يا أبي أن أتماسك، فقد تركت لي حفنة من الوجوه الطيبة التي وإن لم تكن أنت، إلا أن قلوبهم تسع ألمي وتلمسه، وأجد في حضنهم بعض راحة. لكن صدقني، يا حبيبي، ما زلتُ طفلتك الصغيرة… قوية أمام الحياة، وضعيفة أمام شوقي إليك