الرئيسية الأدب والشعر ذات السنون المتأكلة

ذات السنون المتأكلة

84
0

ا/ محمد باجعفر

 

كانت امرأةٌ تُدعى سمو
تبتسم فتُظهر فراغاتٍ بين أسنانها كأنها قبورٌ صغيرة
حفرتها السنون،
أو حفرها الرجالُ قبل السنين
لم يبقَ في فمها سوى جذورٍ ميتة
تؤلمها كلما نطقت بكلمة «شكرًا»
جاءها رجلٌ طيبُ القلب، أو هكذا بدا
دفعَ من ماله، حملها إلى عيادةٍ بيضاء
جلسَ بجانبها حين يُخدَّر اللثة
مسحَ عرقها بمنديلٍ معطَّر
قال لها: «ابتسمي الآن، ستصبحين كالقمر»
عاد القمرُ إلى فمها
ثلاثون سنًّا من البورسلان اللامع
صارت تضحك فتُعمي الناظرين
وفي أول يومٍ شعرت فيه بالقوة
عضَّت اليد التي أطعمتها
مزَّقت لحم الكفِّ حتى بان العظم
ورأت الدم يسيل كأنه دينٌ مؤجَّل
تركته ينزف في ممرِّ العيادة
ورحلت تضحك بأسنانٍ جديدة
تُغنِّي لحنًا قديمًا:
«من علَّمني المشي، كسرتُ له ساقه
من أطعمني، قطعْتُ له لسانه
ومن أحبَّني، نبشتُ له قبرًا في صدري»
هكذا هم بعض البشر
يولدون بفمٍ جائع
ولا يشبعون إلا من لحم اليد التي تمتد إليهم
ثم يبتسمون
ويظنُّون أن ابتسامتهم الجديدة
تُغطِّي على رائحة الدم القديمة.