الرئيسية مقالات العنصرية شماتة تقتل الإنسانية

العنصرية شماتة تقتل الإنسانية

43
0

 

عـــــــــادل بكري _ جازان

العنصري هو ذلك الإنسان الذي يتوهم أنه أسمى من غيره لمجرد لون أو مظهر أو أصل. يبني هذا الوهم على فراغ داخلي وضعف نفسي عميق. يعيش أسير غروره، ينظر إلى الآخرين بازدراء، وكأن قيمتهم أقل. يعتقد أن التفوق يولد من الإقصاء لا من الأخلاق. تصرفاته ونظراته وكلماته جميعها تعكس احتقارًا، كأن قلبه لم يذق يومًا معنى الاحترام.

العنصري لا يرى البشر كأرواح متكاملة، بل يصنفهم كألوان أو فئات، ويظن أن شماتته دليل قوة، بينما هي في حقيقتها علامة جهل وفقر إنساني داخلي. يحاول أن يخفي ضعفه خلف ستار الكراهية، فينثر الأذى أينما حل، ويكسر الثقة، ويجرح القلوب، غير مدرك أن الظلم لا يضيع، بل يعود دائمًا على صاحبه.

أما الإنسان المحب للإنسانية، فيرى في كل وجه إنسانًا كاملاً، يستحق كل الحب والتقدير والاحترام،

 

وفي المقابل، يظل العنصري محاصرًا بذاته، أسير قسوته، يفسد محيطه قبل أن يكتشف أنه أول من يتلوث بما يفعل.

وفي كل مرة يتعالى فيها صوت العنصري أو تطل نظرته المتكبرة، يثقل الجو بالكراهية وكأن اللحظة نفسها تختنق.

لا يدرك أن كل إهانة وكل استعلاء هو طعنة في داخله قبل أن يكون جرحًا لغيره.

في أعماقه خوف من الاختلاف وفراغ لا يملؤه إلا وهم السيطرة، وعجز عن رؤية جمال روح الإنسانية.

العنصري لا يعرف حقيقة الإنسانية، ولا يفهم أن الحب قوة تبني المجتمعات وتحيي القلوب.

يعيش خلف قناع التكبر محاولًا إخفاء هشاشته، لكنه مع كل كلمة قاسية يطلقها يكشف نقصه الداخلي.

وكل جرح يحدثه في الآخرين ما هو إلا انعكاس لألمه الخفي.

العنصرية لا يمكن أن تكون قوة، بل هي مرض يصيب الروح، وليست نصراً، بل خسارة أخلاقية عميقة.

وكل من يمارسها، مهما بدا متماسكًا، يخفي في داخله نقصًا وضياعًا، ويبحث عن وهم التفوق في التقليل من شأن غيره.

ولأن القوة الحقيقية تقوم على العدل والاتزان واحترام الإنسان، فإن العنصرية لا يمكن أن تكون مظهرًا من مظاهر القوة. فهي قائمة على الخوف والكراهية ورفض الآخر، لا على الثقة بالنفس أو السمو الأخلاقي.

فالإنسان الواثق من قيمته لا يحتاج إلى الانتقاص من غيره ليشعر بذاته، بينما يلجأ العنصري إلى الإقصاء لأنه عاجز عن إثبات نفسه بالعمل أو القيم.

كما يشهد الواقع أن المجتمعات التي سادت فيها العنصرية عانت التفكك والصراع، في حين ازدهرت المجتمعات القائمة على الإنسانية والاحترام المتبادل.

أما نحن، فمسؤوليتنا أن نواجه هذا الظلام بالوعي والرحمة، وأن ننظر إلى العالم بعيون عادلة، نتقبل الاختلاف ونحترم الجميع. نزرع المحبة بدل الكراهية، والعدل بدل الظلم، والإنصاف بدل الاحتقار. فالقوة الحقيقية لا تقاس بإذلال الآخرين، بل بالقدرة على احترامهم.

وفي الختام:

لتكن رسالة لكل عنصري: كل شماتة، وكل كلمة احتقار، وكل فعل قاسٍ ما هي إلا دليل على ضعف داخلي. فالظلام لا يستطيع إطفاء نور الإنسانية، ولا الكراهية قادرة على هزيمة الحب. القيم النقية والقلوب الرحيمة أقوى من كل عنصرية، وستظل الإنسانية مضيئة بالعدل والمحبة، بلا ظلم، وبلا كراهية، وبلا حاجة إلى قوة وهمية.