الرئيسية مقالات العقليات بين الثبات والنمو: كيف نصنع التقدّم في العمل و الحياة ؟

العقليات بين الثبات والنمو: كيف نصنع التقدّم في العمل و الحياة ؟

16
0

د.ميسان علي بُخاري/ مستشار إداري و تطويري.

في مشهدٍ تتسارع فيه التحوّلات المهنية والاجتماعية، يبرز سؤال جوهري: لماذا ينجح بعض الأفراد والمؤسسات في التقدّم المستمر، بينما يظل آخرون عالقين في المكان ذاته رغم توافر الفرص؟

الإجابة، في كثير من الأحيان، لا تكمن في نقص الموارد أو ضعف الإمكانات، بل في العقلية التي تحكم طريقة التفكير والتعامل مع التحديات.

عقلية الثبات: عندما يتحوّل الخوف إلى قيد

تعتمد عقلية الثبات على قناعة أن القدرات والمهارات صفات ثابتة لا يمكن تغييرها, واذاك أُطلق عليها “عقلية “الحَجرة” لجمودها و تحجُرها و ضعف قدرتها على التغيير و التحسين. أصحاب هذه العقلية يميلون إلى تجنّب المخاطرة، ويخشون الفشل لأنه يُفسَّر لديهم كدليل نقص، لا كفرصة تعلّم.

في بيئة العمل، تتجلّى هذه العقلية في مقاومة التغيير، والتمسّك بالأساليب التقليدية، والانسحاب أمام التحديات الجديدة. أما في الحياة، فتُقيّد الإنسان داخل دائرة ضيقة من التجارب، ما يقلّل فرص النمو ويضعف الطموح على المدى البعيد.

عقلية النمو: الوقود الحقيقي للتقدّم

في المقابل، تنطلق عقلية النمو “عقلية الشجرة” من إيمان راسخ بأن الإنسان قادر على التطوّر المستمر عبر التعلّم والمثابرة. الخطأ هنا ليس نهاية الطريق، بل خطوة ضرورية في مسار التقدّم.

أصحاب هذه العقلية أكثر استعدادًا لتقبّل النقد البنّاء، وتطوير مهاراتهم، واستكشاف فرص جديدة.

وفي العمل، يظهر أثرها في الابتكار، ورفع مستوى الأداء، وبناء فرق أكثر مرونة وتعاونًا. أما في الحياة، فتمنح صاحبها قدرة أعلى على التكيّف، وصبرًا أطول في مواجهة التحديات.

بين الثبات والنمو: كيف يتشكّل الفرق؟

الفرق بين العقليتين لا يظهر في الظروف السهلة، بل في طريقة التعامل مع الضغط والفشل والتغيير.

فالعقلية الثابتة تسأل: هل أستطيع؟

بينما تسأل عقلية النمو: كيف أستطيع أن أتعلم؟

وهنا يبدأ التحوّل الحقيقي؛ إذ يصبح التقدّم نتيجة تراكم خيارات صغيرة يومية، لا قرارًا واحدًا مفاجئًا.

*دور المؤسسات والأفراد في صناعة التقدّم:

المؤسسات التي تشجّع عقلية النمو تخلق بيئات عمل آمنة للتجربة والتعلّم، وتستثمر في تطوير موظفيها بدل الاكتفاء بتقييمهم. في المقابل، تقع مسؤولية الفرد في مراجعة قناعاته، وتحدّي أفكاره المقيِّدة، وتحويل الإخفاق إلى درس عملي.

فالتقدّم لا يُمنح، بل يُصنع عبر وعي مستمر بالعقلية التي نقود بها حياتنا ومهنتنا.

الخلاصة:

إن الانتقال من عقلية الثبات إلى عقلية النمو ليس شعارًا تحفيزيًا، بل خيارًا واعيًا ينعكس على جودة العمل وعمق الحياة. وحين نغيّر طريقة تفكيرنا، نغيّر مسارنا بالكامل.

ففي نهاية المطاف، التقدّم لا تصنعه الظروف وحدها، بل تصنعه العقليات القادرة على التعلّم، والتكيّف، والاستمرار.