الرئيسية الإبداع الأدبي على ضفة البحر

على ضفة البحر

8
0

 

الأعلامي/ خضران الزهراني/ الباحة

في مساءٍ هادئ، حين بدأت الشمس تودع الأفق وامتزجت ألوانها الذهبية والوردية بماء البحر، جلستُ على ضفة الرمال الناعمة أراقب تلاطم الأمواج. كانت اللحظة مثالية، صافية، وكأنها مشهد من حلمٍ لا نهاية له.

بينما كنت أغوص في أفكاري وأستمتع بالهدوء المحيط، باغتني صوت غريب، كأنه خرج من أعماق البحر نفسه. كان الصوت مميزًا، عميقًا وشديد الوضوح، لكنه لم يكن مخيفًا تمامًا، بل حذرًا ومليئًا بالرهبة:
“لا… لا… لا تتحرك.”

تجمدتُ في مكاني، شعرتُ بالدم يتجمد في عروقي، وقلبي ينبض بسرعة غير مألوفة. رفعتُ بصري ببطءٍ نحو البحر، محاولًا فهم مصدر الصوت، فإذا بالماء يتحرك بطريقة غريبة، وكأنه يعكس مشاعر متقلبة أو ينسج قصة خاصة به. ثم، فجأة، ظهرت أمامي دوامة صغيرة بالقرب من الشاطئ، وحين خفت أن تسحبني، رأيت منظراً لا يُصدق.

وسط تلك الدوامة، ظهرت مخلوقات لم أرَ مثلها من قبل. كانت أشبه بتماثيل من اللؤلؤ والمرجان، لكن حركتها حية وسلسة. عيونها تتلألأ كنجوم الليل، وأجسادها تشع بريقًا كأنه انعكاس لقمرٍ بعيد. كانت تتراقص مع الأمواج كأنها جزء منها، وكأن البحر نفسه ينبض بحياتها.

شعرت برهبة شديدة، وتراجعتُ قليلاً، لكن الصوت عاد ليخاطبني، هذه المرة كان أكثر وضوحًا:
“لا تخف… نحن هنا لنريك جمالًا لا يعرفه سوى من يفتح عينيه على العالم.”

تلاشى خوفي تدريجيًا، وبقيت أنظر إلى تلك الكائنات المدهشة. كانت أعدادها تتزايد، وكل واحدة منها أجمل من الأخرى، بألوان تشبه ألوان القوس قزح، وأجنحة شفافة كأنها نُسجت من حرير النجوم. شعرت للحظة وكأني في حلم لا أريد أن أستيقظ منه.

ثم فجأة، تقدم أحدهم نحوي، مخلوق بألوان الزمرد والياقوت، وقال بصوت هادئ لكن مليء بالحكمة:
“أيها الإنسان، لقد رأيت شيئًا لا يُرى إلا لمن يملك قلبًا قادرًا على سماع صوت الطبيعة. لكن تذكر… ما رأيته اليوم قد يكون نعمة، أو لعنة إذا ما أخبرت به أحدًا.”

قبل أن أتمكن من الإجابة، انطلقت موجة ضخمة، واختفى كل شيء كما بدأ. بقيت جالسًا على الرمال، أحدق في البحر الذي عاد إلى هدوئه المعتاد، متسائلًا: هل كان ذلك حقيقيًا، أم مجرد وهم نسجته أفكاري؟

ومنذ ذلك اليوم، كلما جلست على ضفة البحر، أشعر أن تلك الكائنات قد تعود مجددًا، وأن البحر يخفي أكثر مما نعرفه، وربما يخبر قصصًا لا نسمعها إلا إذا أصغينا بعناية.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا