الرئيسية مقالات صرخة في وجه الصمت: لماذا يؤلمنا التجاهل؟

صرخة في وجه الصمت: لماذا يؤلمنا التجاهل؟

55
0

 

ياسر الحلوي – جازان

في زحمة الحياة وصخبها، قد يمر بنا شعور قاسٍ كلسعة برد في يوم دافئ، ألا وهو التجاهل. ليس مجرد عدم الانتباه العابر، بل هو الإحساس بأن وجودك وكلماتك وحتى مشاعرك تسقط في بئر عميقة لا قرار لها. إنه شعور بالضآلة، وكأنك أصبحت شيئًا غير مرئي، صوتًا غير مسموع. فلماذا يترك التجاهل في نفوسنا ندوبًا عميقة؟

يكمن جزء كبير من ألم التجاهل في طبيعتنا الاجتماعية كبشر. نحن مخلوقات تواقة للتواصل والاعتراف. منذ نعومة أظفارنا، نسعى للحصول على نظرة تقدير من أعين أمهاتنا، وكلمة تشجيع من آبائنا، وتفاعل من أقراننا. هذه التفاعلات تبني هويتنا وتعزز شعورنا بالانتماء والقيمة. عندما يُحجب عنا هذا الاعتراف، نشعر وكأن جزءًا أساسيًا من كياننا قد تم إنكاره.

التجاهل، في جوهره، هو شكل من أشكال الرفض الصامت. إنه يقول بصوت عالٍ: “أنت غير مهم”، “ما تقوله لا يعني شيئًا”، “وجودك لا يحدث فرقًا”. هذا الرفض يؤثر بشكل مباشر على تقديرنا لذاتنا، ويزرع بذور الشك في قيمتنا وأهميتنا. نبدأ في التساؤل عما إذا كان هناك خطب ما بنا، أو بما نقوله، أو حتى بمن نكون.

على المستوى النفسي، يمكن أن يؤدي التجاهل إلى مجموعة من المشاعر السلبية المؤلمة. يبدأ الأمر غالبًا بالإحباط والانزعاج، ثم يتطور إلى شعور عميق بالوحدة والعزلة. قد يثير التجاهل أيضًا الغضب والاستياء، خاصة إذا كان صادرًا من شخص نهتم لأمره أو نعتبره مقربًا. وفي الحالات المزمنة، يمكن أن يتسبب التجاهل في القلق والاكتئاب وتآكل الثقة بالنفس.

إن وطأة التجاهل تزداد حدة عندما يأتي من شخص عزيز أو ذي سلطة. فتجاهل الشريك يكسر أواصر العلاقة الحميمة، وتجاهل الصديق يزرع بذور الشك في الوفاء، وتجاهل الرئيس في العمل يحبط الطموح ويقلل من الإنتاجية. في هذه الحالات، لا يكون التجاهل مجرد إغفال، بل يصبح فعلًا مؤذيًا يترك آثارًا طويلة الأمد.

لا يعني هذا أن كل سهو أو عدم انتباه هو تجاهل مقصود. ففي خضم الحياة المزدحمة، قد ننشغل أو نغفل عن قصد. لكن الفرق يكمن في النية والتكرار. التجاهل الحقيقي هو فعل واعٍ بالاستبعاد والإقصاء، وهو ما يجعله مؤلمًا للغاية.

في النهاية، يبقى التجاهل صرخة صامتة تحتاج إلى من يسمعها. إنه دعوة إلى التواصل الإنساني الحقيقي، القائم على الاحترام والتقدير المتبادل. بدلًا من بناء جدران من الصمت، فلنبادر بالإنصات والاهتمام، فكلمة طيبة ونظرة مهتمة قد تكون البلسم الذي يداوي جراح التجاهل العميقة.