بقلم: أحمد علي بكري
الحياة أشبه ما تكون بقاعة سينما كبرى، يجلس كلٌّ منا فيها في مقعده الخاص، أمام شاشة ضخمة تُعرض عليها لقطات متتابعة لا تتوقف ولا يمكن إرجاعها إلى الوراء. كل لحظة تمرّ أمام أعيننا تُسجَّل في أرشيف الوجود، لكنها لا تُمنح لنا مرةً أخرى. هنا تكمن الفلسفة العميقة: أن الحياة لا تعرف زر الإعادة، وأنّ الفرص التي تضيع لا تطرق الباب مرتين.
في الأفلام، قد يغفل المشاهد لحظةً أو يشتت انتباهه، فيجد نفسه عاجزًا عن فهم ما يليه من أحداث، لأن المعنى لا يكتمل إلا بترابط المشاهد. وهكذا نحن في مسرح الحياة؛ إن فقدنا التركيز على تفاصيلها الصغيرة، قد تضيع منا الصورة الكاملة. إنسان بلا وعي للحظة الراهنة يعيش كمن يشاهد فيلماً وقد غاب ذهنه عن نصفه الأول، فلا يفهم النهاية ولا يدرك المغزى.
الفرص ليست مجرد مشاهد عابرة، بل هي النقاط المفصلية التي تحدد اتجاه الفيلم بأكمله. قد تكون كلمة تقال في لحظة، أو لقاء عابر يُغيّر مسار العمر، أو قرار بسيط يرسم طريق المستقبل. لكننا حين نغفل أو نتردد، يفوتنا المشهد، وينتقل شريط الحياة إلى لقطة أخرى، تاركًا وراءه حسرة لا ينفع معها الندم.
لذلك، الفلسفة التي تمليها علينا الحياة أن نعيش في يقظةٍ دائمة، وأن نستقبل كل مشهد بكامل وعينا، كأننا نعلم أنه لن يتكرر. أن نكون مستعدين لكل فرصة كما لو كانت الأخيرة، وأن نمنح التفاصيل البسيطة قيمة كبرى، لأنها قد تحمل سرّ التحول.
الحياة في حقيقتها ليست سوى فيلم طويل، لكننا نحن مَن نصنع له المعنى، ونحن من نُحدّد إن كان فيلمًا باهتًا نندم على ضياع مشاهده، أم تحفةً فنية تُخلّد في ذاكرة من يأتون بعدنا.






