بقلم الدكتور /مازن إسماعيل محمد :
مكة المكرمة:
في ظل التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه العالم اليوم، تبرز الطاقة المتجددة كأحد الحلول الجوهرية لتحقيق التنمية المستدامة. لم تعد هذه الطاقة خيارًا ثانويًا، بل أصبحت ضرورة استراتيجية تفرضها الحاجة إلى تقليل الانبعاثات الضارة، وتحقيق أمن الطاقة، وتحفيز النمو الاقتصادي والاجتماعي. وقد أثبتت التجارب الدولية والعربية أن الاستثمار في الطاقة النظيفة ليس مجرد توجه بيئي، بل هو مسار متكامل نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.
تلعب الطاقة المتجددة دورًا محوريًا في حماية البيئة من خلال تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة، والحد من التلوث الهوائي والمائي، مما ينعكس إيجابًا على الصحة العامة ويقلل من الأمراض المرتبطة بالتلوث. كما تساهم في تعزيز الأمن الطاقي، إذ يقل الاعتماد على المصادر الأحفورية التي تتأثر بالأزمات السياسية والاقتصادية، وتوفر بدائل مستقرة خاصة في المناطق النائية أو التي تعاني من ضعف البنية التحتية.
اقتصاديًا، تفتح الطاقة المتجددة آفاقًا واسعة لخلق فرص عمل جديدة في مجالات التصنيع والتركيب والصيانة، وتدعم الاقتصاد المحلي من خلال تنويع مصادر الدخل وتحفيز الابتكار والاستثمار. أما على المستوى الاجتماعي، فهي تسهم في تحسين جودة الحياة من خلال توفير بيئة صحية وتشغيل المرافق الحيوية دون تأثير سلبي على البيئة، فضلاً عن دورها في تقليل الفقر الطاقي عبر توفير مصادر طاقة منخفضة التكلفة ومستدامة.
وفي مجال التعليم، تبرز الطاقة المتجددة كأداة لتعزيز الوعي البيئي لدى الأجيال القادمة، من خلال إدماجها في المناهج الدراسية وتشجيع البحث والتطوير، مما يرفع من كفاءة الاستخدام ويزيد من الابتكار العلمي والتقني.
التجارب الدولية تقدم نماذج ملهمة في هذا السياق، مثل تجربة الدنمارك التي تسعى لأن تكون محايدة كربونيًا بحلول 2025، وألمانيا التي قادت الريادة في الطاقة الشمسية والرياح عبر سياسات ذكية، والولايات المتحدة التي تنوعت مصادرها وتقنياتها، والمملكة المتحدة التي سجلت انخفاضًا قياسيًا في الانبعاثات، والصين التي أصبحت أكبر منتج للطاقة الشمسية عالميًا.
أما على المستوى العربي، فقد حققت دول مثل المغرب ومصر والإمارات والأردن إنجازات بارزة. المغرب أطلق مشروع “نور ورزازات” العملاق، ومصر أنشأت مجمع “بنبان” للطاقة الشمسية، والإمارات بنت مجمع محمد بن راشد للطاقة النظيفة، والأردن استثمر في مشاريع شمسية وريحية ناجحة. هذه التجارب تؤكد أن العالم العربي قادر على أن يكون جزءًا فاعلًا في التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والدعم المؤسسي والتشريعي.
في النهاية، فإن الطاقة المتجددة ليست مجرد تقنية، بل هي رؤية متكاملة لمستقبل أكثر استدامة، يتطلب تضافر الجهود بين الحكومات والمؤسسات والأفراد، من أجل بناء مجتمعات resilient، عادلة، ومزدهرة بيئيًا واقتصاديًا.






