الرئيسية مقالات وشوشات الفناجين

وشوشات الفناجين

141
0

 

بقلم : ياسر الحلوي ‐ جازان

في كل فنجان قهوة، حكاية، وفي كل رشفة، سرّ يختبئ بين الدفء والرائحة. وشوشات الفناجين ليست مجرد كلمات تتطاير بين الرغوة والماء الساخن، بل هي همسات الروح، ونبض الذكريات، وإشارات خفية للحياة التي تتسلل بين تفاصيل يومنا العادي.

حين يعبق المكان برائحة البن المحمّص حديثًا، تنبثق الأفكار وتتهادى الأحاسيس. هناك، على الطاولة الصغيرة، ينكشف العالم بحجمه البسيط، ويتحدث كل فنجان بلغة لا يفهمها إلا من استمع بعمق إلى همس الحياة. همسات الفناجين تصغي لنا، تحكي عن أفراحنا الصغيرة، وعن أحزاننا التي نحاول إخفاءها خلف الابتسامات، وتذكرنا بأن كل لحظة، مهما بدت عابرة، تحمل معنى يستحق التأمل.

الناس يتبادلون الأحاديث بينما الفناجين تهمس، أحيانًا بصوت خافت عن الحنين، وأحيانًا آخر عن الأمل، وتظل كأنها مرآة صامتة للحياة. نقرأ فيها الحكايات كما نقرأ في كتاب مفتوح، لكن بدون كلمات مطبوعة، بل بروح تتأمل كل ثنية في الرغوة، وكل فقاعات تتراقص على السطح، وكل خيط من البخار يتصاعد كأغنية سرية للعشاق، والأصدقاء، والغرباء.

ومع كل فنجان، نكتشف أن الفناجين تعكس ما في داخلنا. قد تكشف عن الشجاعة المخفية، أو عن الحنين العميق الذي يرافقنا في صمت. وفي كل وداع للفنجان، تبقى الوشوشات معلقة في الهواء، تنتظر أن تستقبلها قلوب أخرى، في صباح جديد، أو مساء هادئ، لتعيدنا إلى أنفسنا ولتذكرنا أن الحياة، رغم صخبها، جميلة في تفاصيلها الصغيرة.

وشوشات الفناجين ليست مجرد قهوة، بل لحظة تأمل، حوار مع الذات، وموسيقى هادئة تكتب فينا أعمق المعاني. من يتعلم الاستماع لها، يعرف أن الحياة ليست فقط ما نراه أو نسمعه، بل ما نعيشه في صمت الفنجان، بين رشفة وأخرى.