الرئيسية مقالات “هيهات هيهات ؛ المُتلَّونون سينكشفون ذات يوم”

“هيهات هيهات ؛ المُتلَّونون سينكشفون ذات يوم”

576
0

 

بقلم: م. رامي حزيمي

في مسرح الحياة ، تتعدد الشخصيات وتتباين الألوان ، غير أن أكثرها زيفًا وتناقضًا هم المتلونون ؛ أولئك الذين يتقنون فن التبدّل ، ويجيدون ارتداء الأقنعة في كل موقفٍ بما يخدم مصالحهم ، لا يعرفون للثبات مبدأً ، ولا للصدق طريقًا.

يتقربون حين تكون المنفعة قريبة ، ويتنكرون حين تتبدل الأحوال ، ظنًا منهم أن ذكاءهم سينقذهم من السقوط ، لكن “هيهات هيهات ، سينكشفون ذات يوم”.

المتلون يعيش كالحرباء ، يتلون وفق ما يحقق له مصلحةً آنية ، لا وفاء له لصديق ، ولا إخلاص لمبدأ ، ولا انتماء لقيمة.

تراه يمدحك اليوم ، فإذا غبت ساعةً تغيّر لونه وتبدّل حديثه ، وكأن قلبه مرآةٌ لكل من يقف أمامها.

وفي المجالس ، يكون مع الجميع وضد الجميع في آنٍ واحد ، لا رأي له سوى ما يحقق له مكسبًا ، ولا ضمير يردعه إن تلاعب بثقة الآخرين.

ولعلّ أكثر ما يفضح المتلونين هما الوقت والمواقف الصعبة ، فهي كالمرايا الصادقة التي لا تخدع أحدًا ، في لحظات الشدة ، يسقط القناع ، وينكشف وجه الحقيقة.

كم من شخصٍ كان يملأ الأرجاء وُدًّا وتقديرًا ، فلما جاءت لحظة الاختبار ، اختفى ، وتوارى ، أو كان أول من تخلى ، ليُظهر أنه لم يكن صديقًا ، بل كان مستفيدًا.

أحد المواقف الاجتماعية المؤلمة تحكي عن رجلٍ أحاط نفسه بزملاء يظهرون له الاحترام كل يوم في عمله ، يشاركونه النجاح ويصفقون له ، لكنه حين واجه أزمة مالية طارئة ، لم يجد منهم أحدًا.

حتى من كان يبتسم في وجهه صباحًا ، تجاهله كأنه لا يعرفه ، حينها فقط ، أدرك أن كثيرًا من العلاقات ليست صداقاتٍ حقيقية ، بل مصالح مؤقتة تتغذى على العطاء لا على الوفاء.

وفي المقابل ، هناك من كانت له مكانة اجتماعية مرموقة ، فالتفّ حوله المتمّلقون بألوانهم الزاهية ، يزينون له قوله وفعله ، ويرفعونه إلى السماء ، وما إن تبدل الحال وانطفأ بريق المنصب ، حتى انفضّوا عنه ، وكأنهم لم يعرفوه يومًا.

تلك هي طبيعة المتلونين ؛ لا يوالون إلا المصلحة ، ولا يخاصمون إلا عند انقطاع النفع.

خطر هؤلاء لا يقف عند حدود الخداع الفردي ، بل يمتد إلى تدمير النسيج الاجتماعي ، فهم يزرعون الشك بين الناس ، ويفسدون روح الثقة والتعاون ، لأنهم يجعلون الآخرين يترددون في منح قلوبهم ، خوفًا من أن تُلدغ من ذات اللون المتغير.

لكن العدالة الربّانية والناموس الطبيعي للحياة كفيلان بكشفهم ، فالحياة لا تستمر على الزيف ، والزمن لا يحفظ إلا الصادقين.

ومع كل يومٍ يمضي ، تتساقط أوراق الزيف عن وجوه المتلونين ، ليبقى أصحاب المبدأ كالنخل ، ثابتين رغم الرياح العاتية.

وفي النهاية ، تبقى القاعدة التي لا تتبدل:

“قد يخدع المُتلّون الناس لبعض الوقت ، لكنه لا يستطيع أن يخدع الجميع كل الوقت”.

فليحذر الإنسان من أن يكون منهم ، وليحذر أكثر من أن يحيط نفسه بهم.

فالمتلونون كالظلّ في النهار ، لا تراهم حين تغيب الشمس.