الرئيسية مقالات قراءة تأملية في عبارة ابن القيم: “دع الخوافي للخوافي والظواهر للظواهر”

قراءة تأملية في عبارة ابن القيم: “دع الخوافي للخوافي والظواهر للظواهر”

74
0

 

بقلم: حارث بن علي العسيري: مكة المكرمة:-

قال إبن القيم

—رحمه الله — كلمة تختصر علم القلوب وفقه السلوك:

«دع الخوافي للخوافي، والظواهر للظواهر».

كأنها وصية تُخاطب القلب والعقل معًا: لا تُرهق نفسك بتفتيش ما خفي في صدور الناس، فذلك من شأن الخوافي؛ ودع الحكم على الناس بما ترى من الظواهر، فالله وحده يتولى السرائر. فمن راقب القلوب أرهق قلبه، ومن اكتفى بالظاهر عاش في راحة العدل والإنصاف.

لكن لهذه الكلمة وجهٌ آخر لا يقل عمقًا عن الأول: فكما أن الخوافي من النيات لله، كذلك الذنوب الخفية ينبغي أن تُكفَّر بأعمالٍ خفية؛ تصدّق في سرٍّ، قمْ ليلًا لا يعلم به أحد، ابكِ في سجودٍ لا يراك فيه إلا الله. أما الذنوب الظاهرة، فأصلحها بعملٍ ظاهرٍ نافع، توبةٌ علنية، أو صدقةٌ أمام الناس لعلها تُطهّر ما أُعلن من الذنب.

فمن عصى في الخفاء فليتب في الخفاء، ومن أخطأ في العلن فليُصلح في العلن،لعل الله يجعل العمل من جنس الذنب، فيغفر هذا بذاك.

وهكذا تُصبح الكلمة ميزانًا دقيقًا بين الستر والعدل، وبين الخفاء والإخلاص. دع الخوافي لمن يعلمها، وأصلح الظواهر بما تُطيق، فالخوافي للخوافي، والظواهر للظواهر… وسيبقى الله هو العالم بكل شيء.