الرئيسية مقالات ألم وأمل

ألم وأمل

232
0

 

 

بقلم: خلود اللهيبي

أروي لكم قصتي وأنا في عقدي الثالث من العمر بعد تجارب ومحطات مختلفة مررت بها في حياتي. لا أعرف ما الذي سأعيشه، هل سأكون في سعادة، أم شقاء، أم بين هذا وذاك؟! خلقني ربي وأراد مني أن أعيش هذه الحياة لأعبده وأعرف عظمته وقدرته ورحمته بعباده. أعيش كي أتعلم وأُعلِّم غيري، أصبر وألهم الآخرين الصبر، أحلم وأعلّم غيري كيف يكون الحلم.

كان أول تحدٍّ استفتحت به حياتي حين بلغت خمسة أشهر من عمري؛ حين فوجئ والِدَايَ بأنني لا أرى سوى النور، كم كانت الصدمة كبيرة على قلبيهما! فليس من السهل أن يريا مولودتهما الأولى تعاني من أمرٍ يشكل لها أكبر تحدٍّ في هذه الحياة. كنت حينئذٍ طفلة لا أدرك حجم الهم الذي حمله والداي؛ لكنني فيما بعد أيقنت أن لي في هذه الحياة أهدافًا عظيمة؛ أيسرها إسعاد مَن حولي، وزرع الابتسامة في قلوبهم.

توالت التحديات وكأنها تصر على تحطيم عزائمي، ودحر قوتي؛ لأجد نفسي بين خلافات والديّ المتتابعة تتابعَ الخَرَزِ في النظام، كنت أرجو في داخلي ألا يفترقا؛ لكنهما افترقا، وكان قدري أن أتربى بين يدي جدي وجدتي بعيدة عنهما، ومع ذلك رضيت؛ لأنني أعلم أن ربي أرحم بي من والديّ اللذين غلبتهما الخلافات.

كبرت قليلاً حتى بلغت السابعة من عمري، فالتحقت بمعهد النور للمكفوفين بجدة، وهناك بدأت رحلتي مع العلم والمعرفة. تعرفت على صديقات كنّ لي العوض الجميل عن الأخوات اللواتي لم تنجبهن أمي.

وفي العاشرة من عمري كنت أعيش مرارة فقد البصر، وفراق والدَيّ، وعَيشِي وحيدة بعيدة عنهما. ومع حبي الكبير لهما كنت أتمنى أن أكون الفرح لقلبَيهما، والفخر الذي يفتخران به ولو من بعيد؛ لكن سرعان ما أتاني خبر وفاة والدي، وكان كالصاعقة على قلبي الصغير، شعرت بأن الأرض قد ضاقت علي بما رحبت، وتمنيت لو كنت بجواره أمسك يده وأودّعه، كان فراقه جرحًا عميقًا غيّر حياتي كلها.

ازداد تعلقي بجدتي التي احتضنتني وأصبحت أمي التي لم تلدني. ومع الأيام اجتهدت في دراستي حتى أكملت الجامعة، وتعلمت الحاسب بنفسي رغم صعوبة الطريق، وأثبتُّ لنفسي أنني قادرة على التحدي والنجاح.

بعد تخرجي عملت في أماكن مختلفة، إلى أن داهم المرض جدتي التي كانت كل حياتي، قاومتْ طويلًا حتى وافاها الأجل، وكان رحيلها أشدَّ ما مررت به من ألم، شعرت معه أن الحياة توقفت بي، أغلقت على نفسي أبواب الأمل لفترة قبل أن أنهض من جديد وأواصل طريقي.

التحقت بالعمل في جمعية التنمية الأسرية بمكة، وهناك وجدت من يفهمني ويدعمني، وكانت مديرتي سندًا حقيقيًّا لي، بفضلها التحقت بدورة إعداد المدربين وأصبحت مدربة معتمدة، وقدمت عددًا من الدورات.

وفي عام 2021م شاء الله أن يفتح لي صفحة جديدة في حياتي؛ إذ تزوجتُ من إنسان طيب كان لي – بعد الله – السند والعون، وكان كل شيء في الدنيا بالنسبة لي. معه عرفت معنى الاستقرار والسكينة، وأصبحتُ أمًّا لطفلين هما زينة حياتي، ونبض قلبي، أربيهما بنفسي بكل حب وحرص من غير أن أحتاج لمساعدة أحد، فهما أغلى ما منحني الله بعد سنوات طويلة من التحديات والثبات تارة، والخذلان أخرى.

واليوم أعمل مدربة في جمعية همة كفيف، وهي جمعية رائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وجدتُ فيها بيئة مليئة بالخير والإنسانية، والعاملون فيها كانوا لي كالأهل الذين لم أشعر يومًا بغربتي بينهم. في هذا المكان عشت السعادة من جديد، وامتلأت نفسي بالرضا والطمأنينة، فكل ما كنت أفتقده وجدت عوضه عند الله بأجمل صورة.

لقد تعلمت من رحلتي أن الإنسان هو الذي يتحكم في الظروف – بإذن الله -؛ لا الظروف هي التي تتحكم به، وأنه مهما تكاثرت الانكسارات، وتراكمت الأحزان؛ فإن الله يرسل عوضًا جميلاً يلطِّف القلب فينسيه مرارة الماضي. ورغم الألم يبقى هناك أمل يضيء دروبنا، ويرشدنا إلى أن الحياة لا تنتهي عند منعطفات الحزن؛ بل تبدأ من جديد مع لحظات الفرح والعطاء.