ا/غادة حسين
القاهرة/صدى نيوز إس
العربية لا تحتاج من يُبرّر وجودها، ولا من يستجدي الاعتراف بقيمتها.
يكفيها شرفًا أن الله اصطفاها دون لغات الأرض، فأنزل بها آخر كتبه، وجعلها وعاء الوحي، ولسان الخلود.
فمن بعد هذا الاصطفاء، أيُّ شهادة تُطلب؟ وأيُّ دفاع يُقام؟
هي لغة الضاد؛ لغة لا تُستعار ولا تُستبدل، غنيةٌ حدّ الاكتفاء، عميقةٌ حدّ الإرباك، واسعةٌ حدّ أن تضيق عنها عقول من يجهلونها.
مفرداتها ليست ألفاظًا صمّاء، بل طبقات من المعنى، ومراتب من الدلالة، وكثافة لا تُدركها لغة اعتادت الاختصار والسطحية.
حروفها ليست أدوات كتابة، بل كائنات حيّة؛
حرفٌ يلين في موضعه، ويشتد في موضعه، ويُحسن الانحناء حينًا، والوقوف حينًا آخر.
تسحر من يكتب بها، وتأسر من يقترب منها بصدق، وتلفظ من يحاول استخدامها بسطحية أو استعراض.
سبحان من أجراها على ألسنتنا نطقًا، وفي صدورنا فَهْمًا، وفي عروقنا دمًا.
ليست لغة نتعلّمها فحسب، بل هوية تسري، وذاكرة تعيش، وانتماء لا يُخلع.
ما عشقتُ لسانًا مثلها، ولا استسغت بيانًا خارج فلكها.
ففيها من الدقة ما يفضح المعنى، وفيها من السعة ما يحتمل الاختلاف، وفيها من الجلال ما يردع العبث.
للحرف فيها عبيرٌ لا يُشمّ، بل يُحَسّ.
وللكلمة روحٌ تُصيبك قبل أن تفهمها.
وللعبارة أجنحة، إن أحسنتَ صوغها حملتك إلى آفاق السمو، وإن أسأتَها أسقطتك بلا رحمة.
بها كتب الشعراء، فخلّدت أسماءهم لا لأنهم كتبوا شعرًا فحسب، بل لأن العربية رفعت نصوصهم إلى مقام البقاء.
وبها كتب الأدباء، فلم تخذلهم يومًا؛
فاللغة التي وسعت القرآن، لن تعجز عن احتواء فكر، ولا عن إنصاف معنى، ولا عن حمل وجع.
العربية ليست لغة من الماضي، بل لغة من يفهم الزمن.
أما من يراها عاجزة، فالعجز فيه لا فيها، والقصور في أدواته لا في حروفها.






