محمد الرياني
الساعةُ الثامنةُ والنصف ليلًا ، مازالَ الليلُ في أوله ، حركةُ السوقِ تشيرُ إلى ليلٍ مختلفٍ مع إجازةِ آخرِ الأسبوعِ وحلولِ الراحةِ من عناءِ العمل ، في هذا اليومِ عادَ منهكًا بعدَ مشوارٍ إلى المدينةِ لم يتجاوز الـ٩٠ دقيقة ، المكوثُ في السيارةِ لفترةٍ طويلةٍ يرهقُ الأعصابَ والمفاصل ، رمى نفسَه على السريرِ عند وصوله بعد أن علَّقَ ثوبَه على شمَّاعةِ الملابسِ القريبةِ من السرير ، أقبلتِ الصغيرةُ كعادتِها لتحتضنه ، عرفتْ أنَّ الإرهاقَ بادٍ عليه بالرغمِ من صغرِ سنها ، قال لها فرقعي أصابعَ قدمي مقابلَ ريالٍ لكلِّ إصبع ، فرحتْ كثيرًا ولكنَّها ظلتْ تنظرُ إلى أصابع قدميه الصلبة ونحوَ أصابع يدها الرطبةِ وهي تقارنُ بينهما ، بدأتْ مستجمعةً قواها ، لم يسمع فرقعة ، قالت لقد انتهيتُ من القدم اليمنى ، قال لها ولكنني لم أسمع صوتًا ، اختلفا ثم اتفقا على النصف ، وصلا إلى أنها ثلاثُ أصابع بثلاثةِ ريالات ، بقيتِ القدمُ اليسرى ، حاولتْ وحاولتْ ولم تفلح ، تعبتْ كفهُّا الصغيرةُ وهي تحرِّكُ أصابعَ قدمٍ قد جابتِ الفيافي والقفار ، انتهتْ من القدم اليسرى ، طلبتْ منه المقابلَ المادي ، تريد أن تفرحَ في إجازةِ نهايةِ الأسبوع ، نظرتْ إليه بعينين بريئتين وكأنها ترجوه أن يجزلَ لها المكافأة ، قال لها ممازحًا لك ثلاثةُ ريالات ، أرادتْ أن تنصرفَ وبين عينيها دموعٌ احتبسَ بعضها ، نزعَ ورقةً خضراء من جيبه ، قال لها تعاليْ واقتربي مني ، فرقعي لي أصابعَ يدي ، تنهدتْ وقالت لقد تعبتُ من فرقعةِ قدميك ، قال لها أصابعُ يدي أسهلَ وهي ناعمةٌ مثلَ أصابع يديك ، أمسكتْ بكفه ، شمَّتْ ريحَ عطرٍ رشَّه للتوِّ كعادته إذا نزلَ من سيارته ، رأتْ طرفَ الخمسين في جيبه ، تغافلَ عنها ثم انتبه إليها ليقول لها : خذي الخمسين بدلًا عن الثلاثة ريالات ، طارتْ من الفرح ، أرادتْ أن تفرقعَ أصابعَ اليد الباقية فأمسكَ كفَّها وفرقعَ لها أصابعَ يدها برقَّة ، أغمضَ عينيه من التعب ، نامتْ إلى جواره والعملةُ الورقيةُ الخضراءُ في يدها ، أطفأ نورَ غرفةِ النومِ وهو ممسكٌ بيدها قبل أن يغشاه النوم ، استيقظتْ قبله في الصباح ، وجدتْ ورقةً خضراءَ أخرى عند قدميها ، شعرَ بيدٍ ناعمةٍ تمسكُ قدميه ، فتحَ عينيه ، التقتْ عيناه بعينيها ، أشرقتِ الشمسُ وأشرقَ الحبُّ معها ، لم تكن تعرف أنه يمازحها وأنها أغلى من كل شيء .