بقلم : كمال فليج _ الجزائر
في زمن تضيع فيه البصيرة بين الصخب والادّعاء حيث تضخمت فيه الأصوات وقلّ فيه الإنصات، أصبح الخوض في كل شأن عادةً، وإصدار الأحكام دون علم أو بيّنة هوايةً يمارسها كثيرون بلا وعيٍ ولا مسؤولية. باتت الآراء تُلقى جزافًا، والاتهامات تُوزّع بالمجان، وكأن الفهم حكرٌ على من يرفع صوته أكثر!
إن أخطر ما يهدد الوعي اليوم ليس الجهل ذاته، بل الجهل المتزيّن بثوب المعرفة، حين يتكلم من لا يعلم، ويفتي من لا يملك أدنى العلوم و الفهم، ويحاسب من لم يدرك حقيقة ما يجري.
كلمةٌ غير محسوبة قد تُشعل نار فتنة، وتعليقٌ متسرّع قد يهدم سمعة إنسان، وخبرٌ غير مؤكد قد يزرع الشك ويقوّض الثقة.
المؤسف أن كثيرين يتحدثون بثقة العارف، ويحكمون باندفاع العاطفة، ويظنون أن الرأي حقٌّ مطلق لا يُراجع ولا يُساءل، بينما الرأي بغير علم كالسير في الظلام بلا هدى.
فليس كل من تكلم فاهماً، ولا كل من كتب عارفاً، فميزان الكلمة ليس في جرأتها، بل في صدقها ورزانتها ومسؤوليتها.
إنّ التثبّت فضيلة، والسكوت عن الجهل حكمة، واحترام عقول الناس أمانة. ومن يتجرأ على القول بغير علم إنما يعبث بالوعي العام، ويُسهم في بناء فوضى فكرية لا تقل خطرًا عن أي فوضى ميدانية.
فلْنعد إلى ميزان العقل والضمير، ولْنتذكّر أن الكلمة موقف، وأن من يتحدث بغير علم إنما يضيف صوته إلى ضجيجٍ يطمس الحقيقة بدل أن يكشفها.






