الرئيسية الأدب والشعر شموعُ الخذلان

شموعُ الخذلان

250
0

 

بقلم /محمد باجعفر

جازان /صدى نيوز إس

هناك خذلانٌ لا يأتي صاخباً…

بل يتسلّل كظلٍّ خافتٍ في آخر الممرّات،

يوهمك أن الضوء قريب،

ثم يتركك في عتمةٍ لا يُرى لها آخر.

إنه يشبه شمعةً أضأتها بصدق،

حملتَ إليها من روحك ما يكفي لتبقى،

فأضاءت لحظة… ثم احترقت فيك أنت،

لا في الليل الذي أردتَ أن تهزمه.

الخذلان…

ليس طعنةً ولا صدمة،

بل رمادٌ يتراكم بصمت،

يرافقك في الكلام الذي لم يُقَل،

وفي المواعيد التي لم تجيء،

وفي الوجوه التي غاب دفؤها

حين احتجتَ إليه أكثر.

كم من شخصٍ ظننته سراجاً لقلبك،

فكان مجرّد شرارةٍ أحرقت أطراف الحلم؟

وكم من بابٍ فتحته بثقة،

فتسلّل منه بردٌ

أطفأ ما بقي في صدرك من أمل؟

لكن…

رغم كل هذا،

تعلّمنا من شموع الخذلان

أن الروح التي تُكسَر

تصبح أكثر إدراكاً لأبواب الضوء،

وأكثر حكمةً في اختيار الذين يقتربون منها.

تعلّمنا أن لا نُشعل قناديل القلب

لمن لا يرى نورها،

وأن لا نمنح دفئنا

لمن يتعامل معه كترفٍ لا كنعمة.

تعلّمنا أن بعض الانطفاءات

هي نعمةٌ متخفّية،

تصفّي الطرق،

وتُسقِط من أكتافنا أثقالاً

ظننا طويلاً أنها أمان.

فالخذلان — مهما اشتد —

يأخذ شيئاً… لكنه يمنح شيئاً آخر:

يعيد ترتيبك من الداخل،

يفرز بين من يستحق البقاء

ومن كان مجرّد عابرٍ

ترك على روحك علامةً… لا أكثر.

وفي نهاية المطاف،

نكتشف أن العتمة ليست دائماً عدوّاً،

فبعض الظلمات

تكشف لنا شمعتنا الحقيقية:

تلك التي لا تحترق فينا،

ولا تنطفئ بنا،

بل تنير الطريق

حين يُطفئ الآخرون كل شيء.

هذه هي شموعُ الخذلان…

وجعٌ ناعم،

وانطفاءٌ يُعيد إشعالك

بشكلٍ آخر،

أعمق، أقوى،

وأكثر قدرة على حفظ نورك.