محمد الرياني
كنتُ عندما أضع يدي بيديها لا أشعر بحرارة نبضها فقط ؛ كنتُ أشعر بدفء الأرض ينبعث من أضلعها بصدق ، لم أرَ عينين رائعتين مثل عينيها ، ولا شفتين تبتسمان كما تبتسم .
مرَّةً في فصل الشتاء ، كان البرد قارصًا ، باردًا جدًّا ، بينما أنا أفرك كفًّا بكفٍّ أبحث عن دفء يدفع بردَ الشتاء ، ولا أستطيع الكلام من فرط السواد الذي غطى المكان والوحشة الهائلة والصقيع ، وكان هناك بصيص من أمل ينبعث في بواكير الصباح ، والصمت يطبق على كل شيء ، والناس معظمهم تحت معاطف الشتاء يختبئون من البرد صغارًا وكبارًا ؛ باستثناء كفيها تبرق كقطع ثلج ناصع .
أقبلتْ وكأنها تريد مني أن أضع كفيَّ بكفيها كي نشعل أصابعنا مثل شموع فرح ، ونطرد البرد بعشرين شمعة وكفين ملتهبتين من الفرح .
بالفعل التقت كفيَّ بكفيها في فصل الشتاء .
ابتسمتْ فأشعلتْ بابتسامتها حطبَ البردِ وارتفعتْ ألسنةُ اللهبِ في وجهينا ولا سوانا يرى ذلك .
لم تنفكَّ كفيَّ كفيها ، لا يمينها عن يميني ،و لا شمالها عن شمالي ، والشمسُ تقترب بخجل من الظهور لتزيل آثار البرد والصقيع .
عند ذلك أذنتُ لها أن تصنع لنا إفطارًا شهيًّا يكتب للتاريخ أننا وجهان يصنعان بعض المستحيل .
تركتْني واتجهتْ لتضعَ على الموقد بعضَ الزاد من أجل البرد .
لحقتُ بها ووضعتُ كفيَّ معها على نار الموقد .
استغربتْ مني وأنا أسلبُ حرارةَ الموقد وألقتْ عليَّ باللائمةِ وهي تسألني !
هل مازالتْ كفاك باردتين ؟ ثم جعلت النار في الموقد على وضعٍ منخفضٍ ووضعتْ باطن كفيها ملتصقةً بباطن كفي كي يرحل مابقي من برد الشتاء .
نزعتُ يدي بسرعة وتركتُها تعيد للموقد روحه بعد أن اشتعلتُ دفئًا وأنا أنتظرها كي أضعَ يدي في فمها لأُطمعها ويدها في فمي لتطعمني من أجل أن نرى وجه الشتاءَ الحقيقي .






